العقل الذي لا يقرأ يصدّق كل شيء

بغداد 24 – العراق

بغداد – الفريق الدكتور سعد معن الموسوي رئيس خلية الاعلام الامني

قال الفيلسوف الفرنسي فولتير: “العقل الذي لا يقرأ يصدّق كل شيء”، وهذا القول يعكس حقيقة علمية مدعومة بأدلة نفسية ومعرفية حديثة. ففي عصرنا الحالي، حيث يتدفق كم هائل من المعلومات، تواجه العقول خطر الوقوع في فخ التضليل بسبب ضعف مهارات التمييز بين الحقيقة والزيف، الأمر الذي يجعل القراءة أداة معرفية لا غنى عنها. تشير دراسة جامعة كولومبيا التي نُشرت في مجلة Reading Research Quarterly عام 2018 إلى أن القراءة العميقة تُنمّي مهارات التفكير النقدي وتحسّن القدرة على تقييم مصادر المعلومات، مما يجعل الأفراد أكثر قدرة على التعامل مع التعقيدات المعرفية. كما أظهرت دراسة في مجلة Neuron عام 2019، باستخدام تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، أن القراءة النشطة تزيد من نشاط مناطق الدماغ المسؤولة عن التركيز والذاكرة واتخاذ القرار، وهو ما يعزز قدرة القارئ على معالجة المعلومات بشكل نقدي وعميق.

غياب القراءة يخلق فراغًا معرفيًا يشبه الأرض المهجورة التي تنمو فيها الأوهام والخرافات، بدلاً من الحقائق. هذا الارتباط بين ضعف الثقافة القرائية وانتشار الخرافات موثق في تقرير منظمة اليونسكو لعام 2020، حيث رصدت الدراسة أن المجتمعات التي تعاني من ضعف معدلات القراءة تتعرض بشكل أكبر للمعلومات المضللة، ويظهر فيها ضعف في المشاركة السياسية والوعي المدني. كما تؤكد دراسات مركز بيو للأبحاث لعام 2021 أن الأشخاص الذين يمارسون القراءة بانتظام يمتلكون قدرة أعلى على تمييز الأخبار الزائفة، ويظهرون وعيًا أكبر تجاه التلاعب الإعلامي مقارنة بمن يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي فقط. القراءة المنتظمة تعزز من مهارات التحقق والتساؤل التي تعد ضرورية في مواجهة التضليل.

تؤكد دراسة جامعة هارفارد عام 2019 أن القراءة العميقة تقلل من التحيز المعرفي المعروف بـ”تأكيد المعتقد”، حيث يصبح القارئ أكثر قدرة على تقبل الأفكار التي تتحدى معتقداته السابقة، مما يزيد من مرونة التفكير وانفتاحه على آراء مختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، تشدد أبحاث منظمة الصحة العالمية على أن القراءة تعد جزءًا أساسيًا من “المسؤولية الرقمية”، والتي تحمي الأفراد من الوقوع ضحايا للتوجيهات الفكرية الخاطئة والمعلومات المضللة في العصر الرقمي.

لذلك، لا يمكن اعتبار القراءة ترفًا فكريًا بل ضرورة وجودية في عالم متغير يتسم بتدفق مستمر للمعلومات. القراءة هي الوسيلة الفعالة لبناء عقل ناقد وواعي، يمكنه مقاومة التحديات المعرفية واتخاذ قرارات حرة ومستندة إلى المعرفة العميقة. ولذا، يجب أن تصبح القراءة جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية ومسؤولية فردية ومجتمعية للحفاظ على حرية الفكر واستقلالية القرار في مجتمع معقد ومتسارع التغير

Exit mobile version