بالمحبة نكسر هالات الغرور
بقلم : عمار عبد الكريم البغدادي
شهرزاد : تعرفنا في حوارنا السابق على الأسباب التي تدفع من يدعي العلم ولا يملكه نحو الغرور فما بال الجهلاء يتعالون على الناس من حولهم ؟!
شهريار : أجد أن المتكبر بغير علم يصنع من حولههالة يختبئ خلف ضوئها الخافت ظنا منه أنهاتخفي عيوب شخصيته السطحية ، وهو من حيثيدري أو لا يدري يتصنع تجهما مذموما على وجهه ،ويحيط نفسه بإعجاب مكذوب ،وهو ذاك المتغطرسفي عيون الناس الذي يتتبع العثرات ليقول لنفسهقبل أن يحدث من حوله : (هاهو من تظنونه فطناذكيا يخطئ ويتعثر ،وأنا أفضل منه بكثير).
وإني لأنظر الى الواحد من هؤلاء بعين الرأفة لاالإشمئزاز ،فهو ممن قال فيهم حكماء العرب :(إنه لايدري ويدري أنه يدري وذلك جاهل فعلموه ) ، غير أنإحساسه بالفارق بينه وبين المتعلمين ، واتكاءه علىمال كثير ،أو جاه قديم، أو سمعة عائلة طيبة يزيد منحماقته وتكبره على الناس ، هو يردد دائما: (أعلمذلك قبل أن تنطق به) ، وهكذا يعيش داخل هالةالثناء لذاته المنكسرة ،وبهاء صورته الذي لا يراهغيره ليبقى جوهره هشا ،وتذكّره نفسه اللوامةبحقيقته دائما ، ليتعالى على نفسه قبل أن يتكبرعلى الناس ، ولي صديق منذ أيام طفولتي انبرىلسوق المال والأعمال منذ صغره ، وتحاشى إكمالدراسته وهو يحظى بحب أبيه التاجر ، ولم تنقطععلاقتنا حتى الساعة ، وكلما زاد ماله زاد غرورهبنفسه التائهة في ظلام الجسد ، وهي لبعيدة كلالبعد عن أنوار المعرفة ،وأسرار التواضع والمحبة ،لكنني بلافخر كنت أمتلك مفاتيح محبة خافتة،وتواضع كسيح في جوفه منذ ذلك الحين ، وإننيلأتعرض الى لوم شديد من الأصدقاء والمقربين ،غيرأنني مازلت غير مبالٍ بكل كلمات النقد والعتاب،وأحاول جاهدا أن أنمي فيه حب المعرفة والتعلموالتواضع ، وإنني لأجد فرقا عظيما بين ( بهلولزمانه ) في صحبتي ، والرجل نفسه اذا حدث الناس،واستعرض قواته وأمواله وحكمته العرجاء ، وإنهليتلذذ بكبريائه الهوجاء، وما إنْ فارق الناس وجاءحتى حدثني بتواضع شديد، وأستنهض في أعماقهشبح عقل رشيد ، يقول لي بهلول زمانه : أنت الوحيدالذي لا أخشى أن أتعلم منه فأنت تحبني .
والسر في ذلك يا شهرزاد أنني أنظر إليه بعينالعطف والمحبة ،وأزيد تواضعا كلما دنوت منه،ناصحا له، داعما لبعض صفاته الطيبة، علّنيأرتقي به من وادي الكبرياء الى قمم التواضع .
وقبل أن تتهمينني بتحميل الناس مسؤولية أوضاعالمغرورين ، دعيني أقول : إنْ آمنا بأن التغيير يأتيمن داخلنا دائما ،فعلينا أولا أن نغير تصوراتناالذهنية التي نعامل بها هؤلاء، ونبحث عن آثر بذرةالخير فيهم لنسقيها ، فإن فعلنا أزهرت أرواحهموأقرّوا بضعفهم وبدأوا من جديد ، الخير فينا يدلناعمّا يماثله في دهاليز النفوس المظلمة ، فلنعلمْ أننابحاجة الى أن نلتمسه في نفوسنا أولا ، فاقد الشيءلا يعطيه عبارة لا أجدها متكاملة المعنى ، وعلينا أننقول : فاقد الشيء لا يعرف مكامنه في نفسه حتىيجده في نفوس الآخرين .
مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة
للتواصل مع الكاتب : ammaralbaghdadi14@gmail.com