من وحي شهريار وشهرزاد (4)


دع الهموم وعش سعيداً في دائرة الإهتمام
بقلم : عمار عبد الكريم البغدادي


شهرزاد : قلتَ آنفا إن لمغاليق القلوب مفاتيح كثيرة وذكرت منها التواضع ،ولاأظنك تغفل عن القول المشهور: إن التكبر على المتكبرين تواضع ؟
شهريار : لاينطبق هذا القول إلا على الداخلين في دائرة الهموم ،وإني لاجدها ثلاثة عوالم تحيط بنا وليست محيطين اثنين كما يقول ستيفن آر كوفي وغيره من عباقرة علوم النفس البشرية وتنميتها الذين يؤكدون “أننا نعيش بين دائرة الهموم ودائرة التأثير ، وكلما اتسعت دائرة التأثير انحصرت دائرة الهموم ” ،وأستند في مخالفتي لهم الى أن الإهتمام يختلف تماما عن الهموم ، وأن دائرة التأثير تنحصر عند عامة الناس بالخواص وخواص الخواص ،أمّا العارفون المتخصصون فإنهم يعممون هذا المحيط على جميع الناس ، ولهم الحق في ذلك لتسلحهم بعلومٍ وسلوكياتٍ تجعلهم قادرين على توسيع دائرة تأثيرهم ، وحينما يكون المتكبر من الجهلاء والأغنياء في دائرة الهموم، وهم خارج عالمنا الحقيقي، ولا نلتقيهم إلا صدفة في محفل أو مناسبة إجتماعية ، وهم يحاولون استعراض مظاهرهم الخاوية من كل روح ، فالنبادرهم بالسلام والإبتسامة ، فإن أحسوا بلذة التسلط فإن قمة التواضع – كما أرى – بالتجاهل وليس برد التكبر بمثله ،نحن بتجاهلنا نحافظ على سلامة القيم العليا في نفوسنا حيث يتربع التواضع على عرشها المنير في أعماق نفوسنا .
إن دائرة الهموم تشمل العالم كله ،وإنها لذات سطوة على الإنفعاليين أكثر من غيرهم ، هم يجعلونها شماعة عريضة لتعليق إخفاقاتهم ،أو النظر الى الدنيا وكأنها كابوس عظيم لا أول له ولا آخر ، نعم ..نحن نتعاطف مع ضحايا الكوارث في كل بقاع الأرض لكننا لا نمتلك أن نمنع (تسونامي جديد) يضرب ساحلا ، او بركانا يلتهم مدينة ،أو ثلوجا وعواصف تقتل الآلاف في كل عام ، علينا أن نقلص دائرة همومنا ما استطعنا فإن مافيها من حزن عالمي يمنع تركيزنا على عالمنا الخاص ، مافائدة أن نذرف الدموع على مشهد عاطفي في أحد الأفلام الأجنبية ويصيبنا الإحباط بموت البطل ونحن في غاية القساوة بلفظ :(أس) ، أو (صه أو مه) نقولها لأحد أبنائنا الصغار ، وهو يحاول أن يشاركنا همه في درس يجد صعوبة في فهمه ، او سعادته بنجاح باهر في أحد الفصول ؟ .
إن المنغمسين في دائرة الهموم أكثر الناس تعاسة، وإنهم ليتصدرون لها ،وينشغلون فيها بوجوه متجهمة في الليل والنهار ، وهم من حيث يدرون أو لا يشعرون يهمّشون واقعهم ،ويخسرون أنفسهم ومن يحبونهم.
اما دائرة الإهتمام وسر تعلقنا جميعا بان نكون مهمين فهي فطرة انسانية تشعرنا باهميتنا في هذا العالم ، إننا من حيث نعلم أو لا نعلم نشعر بالمرض والأسى حينما نتلفت من حولنا فلا نجد من ينظر او يتحدث إلينا ، او يبدي اهتماما بأفعالنا ، أو ما تخطه أفكارنا ، وتنتجه أيدينا ، وربما يكون إحساسنا بالتجاهل سببا مباشرا لتمارضنا ، وهي خدعة فطرية يلجأ اليها المشاهير قبل البسطاء لأستجداء إهتمام الناس .
أن نكون في موضع الإهتمام ياشهرزاد فذلك غاية المنى ، كأنها وصفة سحرية تجبر القلوب المنكسرة ، وتسكنُ إليها النفوس الثائرة ، وترتقي بالأمال الضامرة ، وتُسعِدُ العقول الحائرة.
يقول المع فلاسفة أميركا جون ديوي:” إن أعمق حافز في الطبيعة الإنسانية هو الرغبة في أن يكون مهما”.
ولنا أن نتخيل عِظَمَ السعادة التي يشعر بها إنسان فقير حينما ندعوه الى مائدة الطعام بدلا من أن نعطيه بعضا منه بعيدا عن أصحاب البزّات اللامعة ،والكروش الساطعة ،أو تلك الإبتسامة العريضة التي ترتسم على وجه عامل النظافة حينما نثني على عمله ،ونعامله بوقار بدلا من محاسبته على بقايا سقطت من بين يديه ، وهو يخلصنا من أوزار بيوتنا ،وفضلات إسرافنا في الطعام والشراب .
دائرة الإهتمام ياشهرزاد أحد مفاتيح المحبة لمغاليق قلوب الناس وقلوبنا نحن ،فهي تشعرنا جميعا بالأهمية التي تسري فينا من غير توقف ،كأنها الأمل الذي يغذي كل جزئية في نفوسنا قبل مسامات أجسادنا.

مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة
للتواصل مع الكاتب : ammaralbaghdadi14@gmail.com

Exit mobile version