الأمانة سبيل المحبة والنجاح
بقلم : عمار عبد الكريم البغدادي
قال شهرزاد : هل تعتقد أنّ المحبة والثناء المحمود مع عين الملاحظ وبعضا من صفات القيادة أسباب كفيلة بأن نكون مؤثيرين على الناس من حولنا؟ ، أجد ذلك في غاية الصعوبة لا سيما وأن الكثيرين لا يمتلكون قدرة التحرر من الأطر الفكرية القديمة ! .
شهريار : أنوار المحبة كثيرة ومن أخيرها الأمانة في العطاء ، وذلك ضياء لا تحتجب دونه الأطر الفكرية المغلقة ، والقلوب المشفقة، وإن الحديث في معاني الأمانة يطول ،لكننا سنتحدث عن جانب له كل الأثر في تحرر النفوس ،وتمتين الثقة حتى تكون لأفعالنا وكلماتنا أثر المطر النافع في الأرض الجرداء .
وقد ذكرنا فيما سبق أن الثناء والحمد من قلب محب لا يكونان إلا لعمل صالح ،او إبداع وتميز ، وهو أول معاني الأمانة ، ومن أحوالها أن نكون مؤتمنين على إصلاح الطالح من الأفعال ، وعلى افتراض أن قلوب أولئك الناس متفتحة لنا كاشفة لأسرارها مستعينة بنا لتحسين أحوالها ، فنحن مدينون لهم بالأمانة وعدم المهادنة في بيان أخطائهم وتقويم أفعالهم .
لكن أعمق معاني الأمانة ان نحفظهم في غيابهم ، وليس بمقبول أن نتلذذ بالإستماع لانتقادٍ ، او كشف عيب أحدهم بقصد دعم متحدث قد أصابه آذى من الغائب، وإن المتفكر في هذا الموقف يعلم علم اليقين أن المنتقد او الكاشف لعيوب الغير يقول في قرارة نفسه : (سيقبلُ أن أتعرض للإنتقاد في غيابي كما قَبِلَ بانتقادي لأحدهم في غيابه ) ، هنا يضيع معنى الأمانة ،وتتلاشى ثقة الناس بنا .
قمة الأمانة أن نسعى الى جميع الأثنين ،والتحدث بصراحة ،وإصلاح الخطا بدون مجاملة .
في إحدى المؤسسات التي أعمل فيها بصفة مدير قسم الأخبار أتعرض الى مواقف متكررة من هذا النوع ، وكنت منتبها لضرورة المحافظة على الأمانة والمحبة ، وما أن ينطلق لسان أحد المنتقدين لزميله او زميلته من الغائبين حتى أقف كحد السيف، ولا أرضى بذكرهم بأي سوء ، وإنني لاسعى الى مواجهة الإثنين معا بصراحة شديدة مع التحفظ على أي لفظ جارح ، وفي يوم سادت فيه البغضاء بين إثنين منهم أخذت المواجهة معنى التدافع ، وكل يرمي بالتقصير في إنجاز عمل ما على الآخر ، وكاد الأمر يخرج عن السيطرة حين قلت بصوت هادئ : “ليس المهم من كان سببا في التقصير ، المهم أن نكون متكاتفين أكثر لإنجاز العمل ، حينما يكون هدفنا واحدا فإننا نحمل أعباءنا سوية، ونلتمس العذر للغائب ،ونحل محله بكل خير”.
حينها أحس الإثنان ( كما أظن ) أنهما خارج دائرة الإتهام المباشر بالتقصير ،ثم أثنيت عليهما بما يحققان من نجاح مشترك في العمل ،واستنهضت روح المحبة والتكاتف بينهما من جديد .
بعد نحو عام على العمل المتواصل لم أعد أسمع ،إلا ما ندر ،إنتقادا للغائبين ، وصرنا نحقق نجاحات بتكاتفنا تحسدنا عليها بقية أقسام المؤسسة التي ربما غاب عن مديريها حفظ الأمانة للغائب، والتماس المحبة في قلوب العاملين قبل توجيه أوامر العمل .
ومن الأمانة ياشهرزاد أن نكون على طبيعتنا مع من نحب ، وننزع عن وجوهنا أقنعة الرياء ، والإبتسامة الزائفة ، والصبرالمتكلف ، والرضا المصطنع ، ولتكنْ ملامحنا صورة لنبض قلوبنا ومكامن نفوسنا ، إننا بالابتسامة الزائفة نرحل الازمات بقصد المحافظة على مشاعر الآخرين ،ونضحي بأواصر المحبة ، فوراء الرضا المتكلف بذرة سوداء تنغرس في قلوبنا ، ومع تكرار المشهد يحيط بالمحبة ظلام دامس تضمحل بين أسواره معاني المودة ، وتتكسر تحت وطأته جسور الثقة ، وتختفي بين طبقات عتمته ملامح الأمانة .
مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة
للتواصل مع الكاتب : ammaralbaghdadi14@gmail.com